Telegram: Contact @D_ferkous
📌
فوائد من مجلس شيخنا فركوس -حفظه الله- (السبت ٠٩ ربيع الثاني ١٤٤٦ هـ)
كيف الردّ على من قال أن أحاديث الآحاد تفيد الظن؟! ..
"أولا العلماء اختلفوا في خبر الآحاد سواء مشهور، أو عزيز، أو غريب، أو كانت غرابته مطلقة أو نسبية؛ هل يفيد الظن أو العلم؟!
قول أنه يفيد العلم، وقول آخر أنه يفيد الظن، وقول ثالث أنه يفيد العلم إذا احتفّ بقرائن، وإلا فإنه يفيد الظن، وهذا الذي رجّحه ابن قدامة وغيره من الأصوليين، وذهبوا إلى هذا.
بمعنى أن خبر الواحد إذا جاءنا مثلا في رواية البخاري، أو مسلم، أو كان متفقا عليه .. إذا احتفّ بمثل هذه القرائن أفاد العلم، وإلا فلا يفيد علما إنّما ظنا.
إذا جاءت قرائن أخرى في المعنى -ليست سندية- يمكن أن يرتقي إلى تواتر معنوي؛ كما في اللّفظ تواتر لفظي.
عند أهل السنة والجماعة أن حديث الآحاد يعمل به في الأحكام، والفضائل، والترغيب والترهيب، والعقيدة، لا محيد عن هذا؛ شرط توفّر فيه شروط الصحة لذاته؛ أو لغيره، أو يكون حسنا لذاته؛ أو لغيره ..
كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء صحيحا أولى من كلام الرجال، ولا يجوز ردّه إلا إذا كان ضعيفا، وأنواع الضعف كثيرة ..
والضعيف في ذاته وإن كان هناك خلاف فيه؛ لا يعمل به في الأحكام، لكن نُقل عن أحمد وابن حزم أنه أفضل من آراء الرجال، لأن الضعف غير متيّقن فيه، فالراوي قد ينسى، أو يخطئ، ويمكن أن يكون راويا ثقة ويحتمل الخطأ، وربما في باب اتصال السند، أو العدالة، وغيرها .. لا ندخل في هذه التفاصيل.
الحديث الصحيح يعمل به؛ سواء أفاد الظن أو العلم، احتفّ بالقرائن أو لا، في العقائد، والأحكام، والترغيب والترهيب .. مادام صح الحديث فهو مذهبي؛ كما قال الشافعي وغيره، فيعمل به في كل الأمور.
قالوا مثلا لو كان القاضي يحكم بأن الخبر يفيد العلم ما احتاج شهودا .. وأدلة جمهور الأصوليين كثيرة في هذا الباب ..
نحن نقول أن القول بأن خبر الواحد يفيد العلم -إذا احتفّ بالقرائن- هو الراجح، قاله ابن القيم وغيره، وجاء الردّ في الفتح الرباني على من قال أننا قلنا أنه يفيد الظن، ومن حيث العمل نعمل به في كل الأمور، خلافا للمعتزلة وبنتها الأشعرية، حيث يذهبان إلى عدم العمل بخبر الواحد في العقائد، لذا أنكروا عذاب القبر، وغيره .. والله المستعان.
إذا كان شيخك منتهجا منهج الأشاعرة، أو وقع في الاعتزال بطريق أو بآخر، علم أو لم يعلم .. الإنكار والتدخّل في مناقشته لا يسلم لك، فيجب أن تدخل بزاد.
ترجع إلى أدلة هؤلاء، وأدلة هؤلاء، وربما ترجع إلى مقالة الألباني في هذا، وكذا المعلمي اليماني صال وجال في مسألة خبر الواحد، ومع ذلك لم يَعُد هؤلاء ..
ممكن أنت ترى هذا -رسالة الألباني في خبر الواحد- وتقول هاك الرسالة تقرؤها .. إن دخلت في نقاش معه ربما يغلبك، ويدور يمينا وشمالا .. وهو في موضع قوة.
أرى أن تعطيه رسالة صغيرة -خبر الواحد- وأنه يُستدل به في العقائد والأحكام، ولقد ذكروا الأدلة، وردّوا على هذا، ومنه كتاب التنكيل للمعلمي اليماني، ردّوا على القائلين بعدم جواز الاستدلال بخبر الواحد في العقائد، تمنحه إياها، يقرؤها لعل الله ينير قلبه .."
📌
فوائد من مجلس شيخنا فركوس -حفظه الله- (الثلاثاء ٢٨ ربيع الأول ١٤٤٦ هـ)
س: في الجمع بين حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ١٠ ركعات وحديث أم حبيبة أنه كان يصلي ١٢ ركعة ..
ج:
"قد يجمع بين الأمرين بالتنوّع، فتارة يفعل هذا وتارة هذا؛ لبيان أنه يجوز هذا ويجوز هذا. لكن دائما الأعلى يكون أفضل، والتقرب بالعبادة يكون أزيد.
ثبت التوضّؤ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاث مرات ثلاث مرات، فإن فعله الإنسان مرة أجزأه، خاصة إذا كان الماء قليلا، ويحتاج الباقي للشرب، فيستعمله للوضوء مرة مرة، ويجوز مرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، لكن ثلاث مرات أحسن، وقد يكون الأحسن مرة إذا احتاج إلى الماء، وقد يكون مرتين أحسن؛ بحسبه؛ لكن كلها تجوز.
في الأذكار كذلك ثبت ٣٣ سبحان الله، و٣٣ الحمد لل،ه و٣٣ الله أكبر، ولا إله إلا الله.
ورد أيضا ٣٣ سبحان الله، و٣٣ الحمد لله، و٣٤ الله أكبر، وثبت ١٠ - ١٠ .. هذه كلها بالتنوع، تارة هذا، وتاره أخرى، خاصة إذا كان ربما ذا حاجة، ويخرج سريعا؛ فيقتصر على ١٠ أو يؤديها في الطريق، والجمع بينهما بالتنوع.
كذلك ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته انصرف عن يمينه، وثبت أنه انصرف عن شماله، كما في حديث ابن مسعود، وحديث أنس، فيُجمع بينهما بالتنوع، فيجوز للإمام أن ينصرف عن يمينه تارة وعن شماله أخرى.
فإن انصرف عن يمينه نقول أنه أصاب السنة، وكذلك إذا انصرف عن شماله، لكن على سبيل التنويع، أما أن يقول قائل أنه لا يجوز أن ينصرف عن شماله فلا.
ينوّع؛ تارة هذه وتارة أخرى، وفيه جمع تخصيص، وهناك أنواع كثيرة من الجمع، ففيه جمع يحمل الوجوب على الندب، وجمع يحمل التحريم على الكراهة، وغيرها .. والعلم عند الله."
https://t.me/D_ferkous
📌
فوائد من مجلس شيخنا فركوس -حفظه الله- (الثلاثاء ٢٨ ربيع الأول ١٤٤٦ هـ)
س: في مسألة الكفر العملي والكفر الاعتقادي ..
ج:
"الكفر الاعتقادي إما يكون أصيلا فيه، أو يخرج صاحبه بالرّدة إلى الكفر.
والكفر العملي بأن يعمل عمل الكفار؛ ولكن ليس بكافر ..
مثلا: عملهم يصدّون عن سبيل الله، ولا يريدون أن يعلو الإسلام، ولا يحبون أن تُبنى المساجد، ولا أن يتعلّم الناس الخير، ويقفون بالمرصاد لأي داعية يدعو إلى الخير ويرشد إليه، ولا يحبون ذهاب الناس للحج، ويمنعونهم إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا ..
قد تجد من المسلمين من يفعل ذلك، ويصدّ عن ذكر الله، وعن الحج، كما قال تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام ..} الآية، وآيات الصد كثيرة في القرآن.
كذلك تجد أهل الكفر (خاصة أهل النفاق) يريدون أن يفرقوا بين المسلمين؛ بإنشاء مساجد ضرار، وملاهي، وملاعب .. ليصدّوهم عن المساجد، والحلق .. وتجد مسلمين يفعلون هذا أيضا.
فنقول أنهم قد يفعلونها بعفوية؛ وليس لهم أمر الصدّ .. ونقول أنهم عملوا عمل أهل الكفر لكن ليسوا بكافرين.
مثله مثل النفاق، المنافق إذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا حدث كذب، واذا ائتمن خان، لكن قد تجد هذه الخصال في مسلم يبطن الإسلام، لكن له خصال المنافقين، يعِد ويخلف، يخون الأمانة، يفجر في الخصومة .. نقول أن هذا نفاق عملي، بمعنى أنه يُبطن الإيمان لكنه في أعماله يأتي ببعض خصال المنافقين، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (آية المنافق ثلاث ..) الحديث، وفي الحديث الآخر: (أربع من كنّ فيه ..) الحديث.
النفاق الاعتقادي أن يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وعنده هذه الخصال، فيقول أؤمن بالله، ولكن بداخله كاذب غير صادق، قال تعالى: {إذا جاءك المنافقون ..} الآية، يكذبون لأنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام ..
الكفر العملي أن يكون الإنسان مسلما، لكن قد يعمل عمل الكفار، غالبا يحاربون الدين .. وهو قد يحاربه من حيث يعلم أو لا يعلم، فنقول هذه الخصلة لا تجوز، مثلا تجد إنسانا أو جهة .. يمنع الناس من حِلق الذِّكر بدعوى أن فيه تجمعات غير سليمة، لكنه يعمل على تقويض الدين وعدم نشره، في حين أن الله تعالى يأمر بنشر الدين وتعليمه .. وهذا يعمل على طمسه، والتضييق عليه .. فهذا عمل الكفار هذا عَمِل عَمَل الكفار، يضيّقون على مجالس الدين حتى لا يظهر، ويُطمس، وتتركه الناس شيئا فشيئا .. هؤلاء يعملون عمل أهل الكفر؛ لكن ليسوا بكافرين.
تجد أيضا الأب يمنع ابنه الذي يريد الذهاب إلى المسجد، ويقول له صلّ في البيت .. فهذا صدّ أو لا؟! نعم صدّ، وهذا لا يكون كافرا به، ويقول له صلّ في البيت على أساس أنه لم يفعل شيئا .. لكن هو مخالف ..
هذا العمل من عمل أهل الكفر؛ ولا يجوز لنا سلوك سبيلهم، ولا اقتفاء أثرهم .. فإن فعلنا فإنّا ظالمون، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لتتبعن سنن من كان قبلكم ..) الحديث، اليهود والنصارى كفار، وهؤلاء يسلكون طريقهم في ملبسهم، ومشربهم، وصدّهم عن دين الله، ينطبعون بطباعهم .. وقد حذّر النّبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك، فإن فعلوا نقول أنهم فَعلوا فِعل الكفر، وانطبعوا بطباعهم .. لكن لا نقول أنهم كفار ما لم تكن مؤشرات على كفرهم.
• سبّ الله تعالى مبني على ماذا؟!
مبني على عمل القلب، وعمله هذا عمل داخلي باطني؛ وهو التعظيم والمحبة، فالإيمان قول وعمل:
- قول القلب: التصديق والإقرار، وقول اللسان تابع له.
- وعمل القلب: التعظيم والمحبة، وعمل الجوارح تابع له.
نحن نستدلّ بما يسمّى بقياس الدلالة على أن السابّ لله غير معظم ولا محب له، لما فيه من إهانة وتنقيص من جلاله وعزتّه سبحانه وتعالى بالسبّ والشّتم.
إذا كان الاستهزاء دون السب يُخرج صاحبه من دائرة الإسلام فالسبّ من باب أولى .. في الآية: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ..} الآية، فالذي يتّخذ الأنبياء والرسل، والدين هزؤا معناه أنه غير معظّم ولا محب، فالمحب لمن يحبّ مطيع، وهذا جاء عكس ذلك، واتّخذه هزوا ولعبا؛ فكان فيه المؤشّر على عدم التعظيم المخرج عن دين الإسلام.
تارة يتخذه لعبا لكن لا يخرج من الإسلام فهو بحسبه.
رجل طلّق زوجته ١٠٠ مرة بلفظ واحد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم) الحديث.
الطلاق -وهو داخل في الدين يلتزمه الشخص- اتّخذوه لعبا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك ساخطا على هذا الفعل، لكن الرجل لم يخرج من دائرة الإسلام رغم أن هذا من فعل الكفار الذين اتّخذوا دينهم لهوا ولعبا.
وفيه ما يخرج من دائرة الإسلام إذا كان فيه نقص للتعظيم والمحبة؛ وهما العنصران الأساسيان لعمل القلب، فإن انتفى عمل القلب انتفى معه الإيمان."
https://t.me/D_ferkous
📌
فوائد من مجلس شيخنا فركوس -حفظه الله- (الجمعة ٠٢ جمادى الثانية ١٤٤٥ هـ)
ردّ الشيخ على اتهام الألباني-رحمه الله- بالإرجاء ...
"١- أولا: اجتهادات العلماء لا يلزم دائما أن تكون صوابا، والمجتهد معرّض للخطأ؛ كسائر الناس، سواء الخطأ الفقهي، أو العقدي، أو المنهجي ..
إذا وقع في ذلك ينبه على الأصل هذا، وأنه مخالف، إذا كانت عنده أدلة -ليست شبهات- لا تستطيع تخطئته؛ إلا إذا فنّدت أدلته، وبيّنت أنها شبهات، هناك تقام عليه الحجة، فإن لم يرجع في هذه الحالة، تُلزمه بما وقع فيه، كعقيدة الاعتزال، أو الأشعرية .. (لا أتكلم عن الألباني هنا)، ومادام الدليل قائما عنده لا تقدر على هذا.
٢- ثانيا: حتى ولو كانت الشبهات عنده؛ لا نستطيع ابتداء إذا لم نبين له الأمر، وهو جاهل بما يُذكر عنه حوله في المجالس، ولا يدري بذلك، والناس تقول هذا، ولم يُرفع إليه الأمر، في هذه الحالة لا نستطيع أن ننسبه إليها، فنقول وقع في محظور، لكن لا ننسبه إلى ذلك كالإرجاء أو غيره ..
أبو حنيفة -رحمه الله- عرّف الإيمان أنه تصديق بالقلب وقول باللسان، ولم يُدخل فيه العمل، لهذا أهل السنه يقولون عنهم مرجئة الفقهاء، لكن لم يقولوا عن أبي حنيفة أنه مرجئ، بل يجعلونه من الأئمة الأربعة، ومع أئمة أهل السنة.
بعضهم لما سئل في مسائل؛ كمسألة خلو العرش عند النزول، فجمهور أهل السنة يرون أنه لا يخلو منه -حتى عند النزول- لأننا لا نعرف ذات الله تعالى، وهو سبحانه أخبر أنه استوى على العرش، وينزل نزولا يليق به، فلا تعارض أو منافاة هنا ..
بعض أهل السنة قالوا أنه يخلو العرش منه، وهذا غير صحيح، لكن بقي هذا يُذكر كمثال، لكن لا يخرج إلى قول المعتزلة، وهم وإن كانوا يقولون نزول أمره لا نزوله تعالى، ففي حالة أقروها يقولون يخلو منه، ووافقهم البعض -من أهل السنة- فلا نسميه معتزلي .. فهذا اجتهد، وممكن كان في محل في مجلس وذكر هذا فكتبت ..
الشيخ الألباني يقول أن الإيمان قول وعمل، يعني يُدخل العمل في مسمّى الإيمان؛ كأهل السنة والجماعة، ويرى أنه يزيد وينقص، لكن هل هذا العمل هو شرط كمال أم شرط صحة؟
هو لمّا رأى حديديث البطاقة، وحديث الشفاعة، وأنه يخرج من النار من لم يعمل عملا قط ... قال أنها دلّت على أن الأعمال شرط كمال، أما قضية الصلاة إن تركها، قال أن فيها خلاف، والمذاهب كلها تقول أنه مؤمن عاص، خلافا لأحمد فعنده يكفر ...
من منطلق حديث البطاقة، والرجل الذي مات ولم يعمل عملا قط وقال لأولاده حرّقوني ...، وحديث الشفاعة ... هذه جملة من الأدلة التي تركت الألباني يرى أن الأعمال شرط كمال لا شرط صحة ..
آخرون يقولون أن شيخ الإسلام يرى الأعمال كجنس ليس أفراد، كمن أسلم ثم مات ولم يتمكن من العمل، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم توفي ولم يتمكن من العمل، فبعضهم حملها على هذا ..
وبعضهم حملها على من عمل عملا ولم يُجْزَ عليه، ولم يأخذ أجرا ... فاختلفوا في هذه الجزئية ..
هو استمسك بحديث البطاقة، وحديث يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان .. فلم يذكر الأعمال فيها، فحملها على ظاهرها، وقال أن العمل في الأدلة الأخرى هو الموصل إلى الدرجات العلى في الجنة .. لكن الإيمان عنده.
والآخرون جاؤوا بأجوبة، لكن الظاهر أنه لم يقتنع، فلا تصفه بالإرجاء، لكن تقول أن أهل السنة يقولون أن العمل شرط صحة، والذين لا يُدخلون العمل في مسمّى الإيمان، ولا يقولون بزيادة الإيمان؛ هم المرجئة.
الله تعالى خلقنا للعمل، ليس فقط للإيمان، وبالتالي نقول أننا لا نستطيع أن ندخله في عموم المرجئة، كما لا نُدخل أبا حنيفة فيهم، وأبو جعفر الطحاوي ذكر هذا، ولم يذكر أبا حنيفة بسوء، وقال أن هذا خلاف أهل السنة .."
https://t.me/D_ferkous
📌
درر من مجلس الشيخ نور الدين يطو -وفقه الله- في تعليقه على رسالة -النصيحة الولدية- لأبي الوليد الباجي -رحمه الله-
(الجمعة ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦ هـ بأولاد فايت -العاصمة-)
قال الباجي -رحمه الله-: وتنقسم وصيتي لكما قسمين .. إلى قوله: القسم الأول التصديق بأركان الإيمان.
فأما القسم الأول: فالإيمان بالله عز وجل ...
"شرع الباجي -رحمه الله- في تفصيل وصية أمر الشريعة، فأوصاهما بتحقيق الإيمان بالله تعالى ..
فهو يبيّن لولديه وسائر المسلمين أن العمل الصالح لا ينفع إلا إذا كان على أصل صحيح، وأسّ متين، فحاله معهم (أي مع الأولاد) كالبناء، لا يمكنه تأسيس بيت إلا على متن صحيح، وأسّ سليم، وحفرة عميقة يضع عليها أسّ البيت، أما من غير أسّ صحيح فيوشك أن يهدم عليه.
كذلك أمر الإخلاص والإيمان بالله تعالى؛ هو الأساس، إذا أوثقه الإنسان رُفعت الأعمال الصالحة على هذا الأساس وزادت.
أما الّذي يكثر العمل الصالح على غير أساس سليم؛ تذهب هذه الأعمال هباء منثورا، قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}، وقال: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ..} الآية.
وفي الحديث: (بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالتَّيسيرِ، والسَّناءِ والرِّفعةِ بالدِّينِ، والتَّمكينِ في البلادِ، والنَّصرِ، فمَن عمِلَ منهُم بعملِ الآخرةِ للدُّنيا فليسَ لهُ في الآخرةِ مِن نصيبٍ).
فالسّناء والرفعة والتمكين .. سبيله الإخلاص لله، ومن عمل كثيرا على أساس غير صحيح لم يجده يوم القيامة شيئا.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: قُلْتُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ ابنَ جُدعانَ في الجاهليَّةِ كان يَقري الضَّيفَ ويُحسِنُ الجوارَ ويصِلُ الرَّحِمَ فهل ينفَعُه ذلك ؟ قال: (لا، إنَّه لم يقُلْ يومًا قطُّ: اللَّهمَّ اغفِرْ لي خطيئتي يومَ الدِّينِ).
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أجابها بالعلّة الّتي رُفضت بها أعماله، فكانت كلّها على غير أساس صحيح؛ إنما كانت ليُثنى عليه، أو ليبقى اسمه خالدا في الدنيا؛ لا لله، فجُوزِي عليها في الدنيا، وذهبت هباء منثورا.
فأول ما على الوالد تجاه أولاده -بعد ما سبق- أن يربّيهم على الإخلاص، والصدق، وأن تكون أعمالهم، وأقوالهم، وكل ما يفعلون .. لله، وإلا نشؤوا على العمل للغير؛ فتعبوا في الدنيا ولا ينالون يوم القيامة شيئا.
قال ابن القيم -رحمه الله-: (العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه)، فمن المفروض أن يحمل زادا وقوتا ينفعه في سفره، وهذا لغبائه يحمل رملا يثقله ولا ينفعه في شيء، فكذلك إذا عمل بغير إخلاص؛ يتعب، ولا يجد شيئا يوم القيامة.
فيربّي الوالد ابنه على العمل لله لا لغيره .. وعلى ألا يتأثر بمدح الناس .. ولا يشينه طعنهم .. ولا يهمّه إلا إرضاء ربه وخالقه.
إذا علم الإنسان ذلك؛ وجب عليه أن يؤسّس قاعدة إخلاصية متينة، ينقلها لأولاده لينشؤوا عليها."
فوائد من الدورة العلمية للشيخ نور الدين يطو في تعليقه على النصيحة الولدية لأبي الوليد الباجي مساء الجمعة 24 ربيع الأول 1446 هـ :
. إذا وقع الإبن في الخطأ ولو كان صغيرا دون سن التمييز فإنه يُنبه على الخطأ الذي وقع فيه أمّا أن يوضع له برنامج علمي فهذا حتى يبلغ ومثال ذلك إنكار عبد الله بن مغفل على ابنه لمّا جهر بالبسملة في الصلاة وهو صغير السن فسارع إلى تنبيهه مع أنّ ابنه لم يكن مُهيّأً للنصح
. من ضيّع هذه الأمانة وهي تعليم أولاده ماينفعهم عرّض نفسه لوعيدٍ شديد لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية لم يحُطها بنصح إلاّ لم يجد رائحة الجنة " وليس حق الولد إطعامهم وتدريسهم و إيصالهم للمدارس وتوفير الدواء لهم فقط دون أمور آخرتهم فهذا مما وُرِث عن الكفار
. ذكر إبن القيم في تحفة المولود أنّ الله يسأل الوالد عن ولده قبل أن يسأل الولد عن والده
. فيه بيان عظم شفقة الوالدين على أبنائهم ومنه حديث عائشة رضي الله عنها لما جاءت تلكم المرأة تطلب منها شيئا تسد به رمق أبنائها فلم تجد إلا تمرة في البيت فأعطتها إياها فقسمتها شقين على ابنتيها
ولايُتصور أن يحسد الأب ابنه ويتمنى دائما أن يكون أحسن منه وذكر قصة ابن عمر رضي الله عنهما مع النخلة وأخذ أهل العلم من هذا أن الابن العالم من أفضل مكاسب الدنيا نسأل الله من فضله
. الأب الذي لا يغش أولاده في النصيحة هو الذي لايأمرهم إلا بخير ولا ينهاهم عن الشر
. فيه تذكير للأبناء بصلاح آبائهم وأجدادهم فالمعروف أن الذرية بعضها من بعض صلاحا وطلاحا في الغالب فالطيب لايخرج إلا الطيب ومنه قوله تعالى عن قوم مريم : " ياأخت هارون ماكان أبوك امرأ سوء وماكانت أمك بغيا " وقوله تعالى : " ان الله اصطفى آدم …ذرية بعضها من بعض "
فمن أرّقه صلاح أبنائه فليراجع نفسه أولا فإن صلاحه صلاح لأبنائه
. أول مايعلمه الأب لأبنائه أول مايعلمه حق الله وهو التوحيد و يحذرهم من الشرك ليجتنبوه خاصة في هذه الأزمنة الذي ظهر فيه أناس يدعون لعبادة القبور والتوسل بالأموات
. فيه التربية والتعليم بالوعظ وهو نفس الأسلوب الذي استعمله لقمان الحكيم فقال تعالى : " إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه " وقوله صلى الله عليه وسلم " ولاترفع عصاك عن أهلك وأخفهم من الله عز وجل " فتربية الأولاد بالوعظ مُثمر جدا في صلاحهم والخوف إذا سكن قلبا قتل كل شهوة فيه
. وقبل مايعلمهم كل ما مر فإنه يعلمهم أوّلا الاخلاص والصدق فيكون كل مايفعلون لله عز وجل فلا يعملون للغير
و لايتأثرون بمدح و لا قدح فيسعون لرضا الرب فإن رضي الله عنهم فلو يسخط عليهم كل الخلق لايضرهم ذلك شيء يرسخ فيهم هذا
. ومن أعظم مايوصي به الأب أبنائه حفظ القرآن ولايقتصرون على حروفه فقط بل يتعلمون امتثال أوامره والانتهاء عن زواجره وفي هذا الزمان صار الآباء ينشغلون بالدراسة النظامية أكثر و لايأخذونهم إلى حلقات تحفيظ القرآن وقد ظهرت شريحة يحفظون أبنائهم القرآن طلبًا لتفوقّهم في الدراسة وليس لأجل الأجر والآخرة وهذا خلل عظيم
. كان السلف يولون السنة اهتماما عظيما بعد القرآن وماترى محدثا إلا وألقى الله في وجهه حسنا وبهاءً مصداق قوله صلى الله عليه وسلم " نضر الله امرء سمع منا حديثا فحفظه وأداه كما حفظه "
. الوصية بتعظيم الصحابة التعظيم الشرعي ومحبتهم كان السلف يعلمونها آبنائهم فكانوا كما أُثر عنهم أنهم يعلمون أبنائهم حب الصحابة كما يعلمونهم السورة من القرآن يعلمونهم سيرتهم ومواقفهم ومآثرهم فإذا جاءهم من يطعن فيهم وجدوا مايدفعون به ذلك
. يجب على الأب تعليم أبنائه احترام العلماء وتوقيرهم قال الربيع بن سليمان ماكنت أجرأ أشرب الماء والشافعي ينظر إلي .
قيدته باختصار لكثرة الفوائد ماشاء الله
منقول
📌
درر من مجلس الشيخ نور الدين يطو -وفقه الله- في تعليقه على رسالة -النصيحة الولدية- لأبي الوليد الباجي -رحمه الله-
(الجمعة ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦ هـ بأولاد فايت -العاصمة-)
أول الوصايا: الإيمان بالله.
وأول ما أوصيكما به ما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: ....
"الملاحظ أن الباجي -رحمه الله- شرع في أول وصاياه لأولاده؛ ومن قبل قدّم مقدمة يهيّئ نفسيهما لتقبلها ..
فأول وصية؛ الوصية بالمحافظة على الدين، والبعد عن الشرك، فهو عالم نحرير، أصولي، يفقه الشرع .. فبدأ بهذه الوصية تطبيقا لقاعدة (مراعاة الأولويات في التعليم)، أي البداءة بالأهم فالأهم.
بدأ بأهم شيء ينفعهما؛ وهو البعد عن الشرك، والمحافظة على الدين، فالشرك لا يبقي خصلة .. إلا هدمها، فكان مقتضى الشرع أن يولي الشرك -تنفيرا وتحذيرا منه- عناية تعكس صدقه.
قال ابن القيم -رحمه الله-: [فإذا كان وقت نطقهم فليلقّنوا: لا إله إلا الله ...] إلى آخر كلامه.
فأول ما يحرص عليه الأب أن يعلّم أولاده التوحيد، والشرك -لا ليقترفوه إنما ليبتعدوا عنه-، خاصة في مثل هذه الأزمنة؛ حيث أصبح الكثير يتباهى بالشرك، ويظهر في القنوات، والفضائيات، ووسائل التواصل .. يدعو الناس للتعلّق بالقبور والموتى، ومنهم من يصرّح أنهم وسائط بينه وبين الله تعالى، ومنهم من يدعو الناس إلى عبادة القبور .. فيخشى وقوع هذا على مسامعهم، فيجب عليهم أول ما يعلموهم حق الله على العبيد، وهو إفراده بالعبادة، ويحذّروهم -إجمالا وتفصيلا- من الشرك، حتى لا يفسدوا عبادتهم.
كما فعل الباجي -رحمه الله-."
#جديــــــد
منهج الموازنات وتفصيل ماتع من الشيخ فركوس حفظه الله، وفيه الرد على من رد النصيحة بمقولة ( يريد أن يسقطني أسقطه)
السؤال:
(يورد) الكثيرون في دفاعاتهم عن المخطئين قولهم له من الحسنات ما يغمر السيئات وإذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث وهكذا بإطلاق دون اعتبار للرد وما بني عليه من العلم ويدافعون عنهم دفاعا كأنه لم يخطئ...ما نصيحتكم؟
الجواب:
هذا الأمر يتضمن شقين :
الشق الأول: مسألة الموازنات بين الحسنات والسيئات، وبين المزايا والمآخذ، الموازنات في باب الرد أو في باب الطعن أو في باب الكلام أو في بيان الخطئ لا يجوز في ذلك الموازنة، إنما الموازنة تقع في تقييم كتاب أو في البحث عن سيرة إنسان في شخصية تاريخية تدرس حياتها من جانب العطاء ومن جانب الخطئ، هذا في مقام التقييم
أما في مقام الرد والطعن والقدح إنما يفعل ذلك للتصحيح أولا؛ إن كان في باب الشريعة لحفظ الشريعة، إن كان في باب الحديث الطعن في أحد الرواة من باب حفظ الحديث، إن كان في باب الشهود فلحفظ الأموال لئلا يشهد بالباطل فهذا الطعن أو القدح لا يجوز فيه ذكر الموازنات
هذا النبي صلى الله عليه وسلم قال للخطيب عندما قال : ومن يُطِعِ اللهَ ورسولَه فقد رَشَد، ومَن يَعْصِهما فإنَّه لا يضُرُّ إلَّا نفْسَه، ولا يضُرُّ اللهَ شيئًا. فقال: "بئس الخطيبُ أنت" فقوله "بئس الخطيب أنت" لم يقل له أنت صحابي وشاركت معي في الحروب وحملت كذا ونصرتني وكذا، أنكر عليه مباشرة، وجاءت فاطمة بنت قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إنَّ أَبَا الجَهْمِ ومُعاوِيةَ خَطباني؟ جاءت تستنصحه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمَّا مُعَاوِيةُ، فَصُعْلُوكٌ لاَ مالَ لَهُ، وأمَّا أَبُو الجَهْمِ فَلاَ يضَعُ العَصا عنْ عاتِقِهِ، انكِحي أسامةَ بنَ زيدٍ" فنصحها بذلك، فمعاوية وأبو جهم كلاهما صحابي ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أرشدها لما تستقيم فيه الحياة الزوجية، كاستقامة حياة الأموال والحياة الدينية، نفس الشيء، فإنه لا يعطي الشيء الذي يكون سببا في عدم الانسجام مع الحياة الزوجية، فهذا يضرب النساء وذلك ليس له مال صعلوك فأرشدها لآخر
فإذا، في مقام الرد أو القدح؛ سواء في باب الحديث أو الشريعة أو الأموال والشهادات لا يتعرض فيه لذكر المحاسن، لأن ذكر المحاسن يضعف الرد فيعمل بغلبة الحسنات على كذا
نحن الرد هذا المقصود من ورائه تصحيح الخطئ والرجوع للمسار، والرجوع لطريق الحق، لأن الحق هذا قد ينجر عنه تبعات وخلفيات ويسوق فيه أناسا على الخطئ والتجرء على عدم الرجوع للحق والصواب
وتجد كل الذين طُعن فيهم قديما وحديثا أو بُين خطؤهم لهم حسنات كثيرة، حتى قال بعضهم بأننا نتكلم على فلان وفلان ولعله وضع قدمه في الجنة، ونحن نتكلم فيه حرصا على حماية الحديث وحفظ السند، فلحفظ السند يتكلم على الرواة؛ هذا ضعيف وكذا، هذا ضعيف لكن يصلي ويجاهد في سبيل الله ويعطي الأموال ويتصدق وبنى المسجد الفلاني له حسنات كثر، لكن لا ينظر لهذا ينظرون هل يستقيم الحديث مع إنسان وضاع؟ هل يستقيم الحديث مع إنسان ينسى؟ إنسان اختلط بعد فترة أصبح يخلط بين الاشياء، فيتكلم حفاظا على الحديث أنه ضعيف أو لا يعول عليه، لا يرى حسناته، يرى هل يستقيم الحديث مع هذا الخطئ والصفة أو لا يستقيم؟ إذا كان لا يستقيم قال لا يصلح، فيه تلك الخصلة
نفس الشيء في حفظ الشريعة، نجد ربما إنسانا يكون عنده كل الخصال الطيبة والخلق لكن منهجه غير منهج أهل السنة والجماعة، ممكن منهج صوفي أو إخواني -والمناهج كثيرة على كل حال- لا تستطيع والحال هذه أن تُرشد إليه وتبني على خسارة الطيبة أو كذا، قد يفعل أفعالا تذهب هباء منثورا، قد يصلي ويحج ولكن يعتقد في الأولياء ويذبح لهم ويطوف بقبورهم، نقول هذا كاف أن الرجل ليس على الحق المبين بل هو مشرك والشرك هذا مانع من التعامل معه كمسلم من المسلمين إلا إن ترك شركه {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}
إذا، هذه الأعمال ككل التي يعملها من صلاة وحج وبناء مسجد وإعطاء الفقراء والمساكين وإعانتهم وغيرها، إن أتى بناقض لا تستطيع التعويل عليه، كذلك القول
حاصله، أن باب الموازنات بين الحسنات والسيئات وبين المآخذ والمزايا لا يلتفت إليه في مقام الرد على المخالف وبيان أخطائه وعواره، هذه مُسلّمة، عندك حسنات لكن أنت أخطأت هنا، والإنسان الذي يحب الفضيلة يقال له أخطأت هنا ويرى الخطأ يرجع وانتهى
لكن الذي لا يحب الرجوع إلى الحق هذا من الكبر الذي كنا نتكلم عليه قبل قليل، الذي لا يرجع إلى لحق يرد الحق ويحتقر الناس، كيف تريني أنا وأنا درست كذا، ويوم كنت أدرس أنا أين كنت؟ يحتقر، غير ممكن انتقاده! ...انت انظر اذا كان حقا بينك وبين الله، الله تعالى لا يُخدع وهو يراقبك ، لأن الذي لا يرجع إلى الحق يبقى على الباطل والناس تتفرق لأجله ويؤيدونه على الباطل، أناس ينظرون إلى الحسنات ويمشون معه بالتعمية، وأناس يبقون مخالفين له، ويتصدع الصف، من سبب التصدع ؟ سبب