|| غيث الوحي ||
(صفات الله -عز وجل- هي أجمل شيءٍ في الوجود، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله)
للتواصل
@tawasul111_bot
وإن كانت البضاعة مزجاة، وأعمالنا أقلُّ من أقوالنا بكثير، وظنُّ الناس بنا فوق ما نحن عليه، فلا أقلَّ من أن نسير إلى المولى مطأطئي الرؤوس، معترفين بجرمنا، متذللين مستغفرين، فقد يبلغ المرء بتذللـه وحيائه واعترافه، والرب بالتوابين رحيمٌ رحيمٌ رحيم.
هذه المحاضرة
عجيبةٌ عجيبة، وهي -بالنسبة لي على الأقل-
آيةٌ
من الله عز وجل، ولا أعني ما فيها من أفراد الفوائد -العظيمة- فحسب، بل أعني قبل ذلك ما رأيته من عجيب تنزل القرآن على الأحداث في أرض الواقع، ومعالجته لما يحصل وكأنما أنزلت وحيا للتو..
كيف
بُثت الروح في تلك الآيات من جديد؟
وكيف تنزل على النفوس "شفاءً" لما يقلقها الآن؟
وكيف تعطي المؤمنين "بصائر" لما يتوجب عليهم اليوم؟
والله لمثل هذا أُنزل القرآن.. لمثل هذا أُنزل القرآن.
.
.
لا تزيدني الأيام إلا يقينا بأن
سر العبودية الأعظم
إنما هو في الصلاة، بما فيها من القنوت والإخبات، والانحناء والسجود، والشهود والذكر، والتسبيح والتكبير والتمجيد، وإسلام الوجه لرب العالمين، وتلاوة القرآن فيها وقوفا في أحسن هيئة، متدبرا لآياته بخشوعٍ لا يصرفك عن أنوارها صارف، مستشعرا في ذلك كله أنك واقفٌ بين يدي رب العالمين، تناجيه!
.
في أول سياق غزوة الخندق في سورة الأحزاب لم يستهل السياق بذكر التضحيات الضخام للصحابة!
ولا بذكر مكر اليهود!
ولا تخاذل المنافقين!
ولا بذكر هزيمة قريش!
كلا.. كل ذلك لم تستهل به القصة!
لكنها استهلت بذكر فضل ﷲ ومنته وكرمه وعطائه على الطائفة المؤمنة.
الطائفة التي مسها البأس والكرب والضر، وبذلت وتعبت وسغبت، قال ﷻ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ جَاۤءَتۡكُمۡ جُنُودࣱ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا وَجُنُودࣰا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرًا﴾.
وهنا فمن حسن نظر المتدبر للقرآن أن ينظر فيما جاء في القرآن بخلاف ما يتوقعه القارئ على بداهته البشرية، فهذا باب شريف من تدبر القرآن يطلع به المؤمن على أولويّات الشّريعة، ويفقه ترتيب القضايا بحسب ترتيبها القرآني، لا بحسب ما يقع في قلبه على الارتجال.
من ملأ كفه ببضاعة الآخرة صار غنيًّا مستغنيًا، لا يتحسَّر على شيءٍ يفوته من متاع الدنيا.
لابد أن تتطلب من القرآن ما يناسب حالك وحال الأمة في هذا الظرف، ولن تجد لمثل هذا الظرف في الشام مثل آيات الأعراف بعد إهلاك الله تعالى لفرعون حتى آخرها، وهي السورة المكية ماقبل قيام الدولة وعلو حكم الإسلام... فتأمل فيها جيدا، فيها كل المحاذير والسنن الإلهية…
لابد أن تتطلب من القرآن ما يناسب حالك وحال الأمة في هذا الظرف، ولن تجد لمثل هذا الظرف في الشام مثل آيات الأعراف بعد إهلاك الله تعالى لفرعون حتى آخرها، وهي السورة المكية ماقبل قيام الدولة وعلو حكم الإسلام... فتأمل فيها جيدا، فيها كل المحاذير والسنن الإلهية التي تخص المرحلة، ليتعظ أصحاب رسول الله ومن بعدهم إذا أهلك الله عدوهم واستخلفهم في الأرض لينظر كيف يعملون، ولا يقعوا في فعل المغضوب عليهم الذي استحقوا به ذلك الوصف.
العاملون للدين في هذا الزمن الصعب يجب أن
يمتلؤوا باليقين
، ذلك اليقين الذي يجعلهم يرون النور خلف كل تلك الحجب، ويصدقون بوعد الله في أحلك الظروف، ويبصرون ظهور الدين القادم كأنهم رأي عين..
ولا شيء يصل بهم إلى ذلك اليقين كمثل جرعةٍ يوميةٍ مكثفةٍ من كتاب الله، قراءةٌ طويلةٌ متأنيةٌ واعية، فيها تذكرٌ واعتبار، وخوفٌ واستبشار، قراءةٌ مختلطةٌ بالدموع، ومحركةٌ للنهوض، وكاشفةٌ للطريق!
.
فلا تحسبن
.. الله لا يخبرنا بالوعد فحسب، بل يريدنا نحن ألا نحسب تخلفه أو نشك في تحققه، يريدنا نحن أن نتعبده في هذه الأزمات، يريد منا تحت وطأة الشدائد أن نوقن به، ونصدق وعده، ونحسن الظن به، يريد منا أن يكون تصديقنا بأنه صادق الوعد، وأنه (عزيز ذو انتقام)، أكبر من تصديقنا بميزان القوى المادية فحسب، وذلك هو اختبار الإيمان بالغيب.
كنت مغموما تحت وطأة أخبار السجناء التي تُقطِّع القلب، وقصصهم التي تُشيِّب الرأس، حتى مرت علي -لتوي- هذه الآية.. (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا)
الله! وكأني لأول مرةٍ أنتبه لذكر الحرير في هذه الآية، الحرير الذي هو علامةٌ لأعلى درجات الرفاهية والترف، جعله الله جزاءً للصابرين البؤساء، المحرومين -في سبيل ربهم- نعيم الدنيا وزينتها، المحتسبين عند ربهم كل تلك الشدائد والأهوال الثقال، أولئك أولى الناس بالحرير، والقطوف الدانية، والأرائك المتقابلة، والكؤوس الممتلئة، والنعيم والملك الكبير!