لا يأتونَ بِمثله

تأمّل، لو أننا نتلقّىٰ القرآن في بيئة كتلك!
يُذكِّرني المشهد بشيء من حال صفاء البيئة التي تلقّي فيها الجيل الأول كلامَ الله.

"فاستَقيمُوا إليهِ <واستَغفِروه>"
قال بعض أهل العلم بالقرآن: ذكر الله الأمر بالاستغفار بعد الاستقامة = إشارة إلى أنه لا بد من التقصير في الاستقامة المأمور بها فيُجبر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة.

إذا امتنّ الله عليك بقراءة كتابه، والبحث في معانيه، والاستضاءة بقبسٍ من أنواره..
فتذكّر
أنه قد حرم أناسًا غيرك ذلك النور، وحال بينهم وبين الوصول إلى ذلك الهدى،
قال تعالى: {وجعَلْنَا على قُلُوبِهِم أكِنّةً أن يفْقهُوهُ وفي ءاذانِهِم وَقرا}
قال ابن جزي
: "أي أنّ الله حال بينهم وبين فهم القرآن إذا استمعوه".
وتذكّر
أن قدرتك على فهم تلك المعاني والاستهداء بها: ما هي إلا محض نعمةٍ من الله عليك، فارعها، واشكرها، وأدم تذكرها، واملأ قلبك بالامتنان والمحبة لربك الكريم الذي أولاك إياها.
واحذر أن تضيّعها فتُسلبها!

تتبقى شهور قليلة على قدوم الشهر الكريم، ومن الأشياء المغفول عنها ضمن الاستعداد للشهر الفضيل (ختمة تفسير) وهي قبل دخول الشهر الكريم، ولو ضُمَّ إليها استظهار كتاب من كتب الغريب لكان خيراً على خير.
والهدف من هذه الختمة هو تكسير قشرة الجهل البسيط بمعاني القرآن= حتى تتنعم بقراءة القرآن في رمضان، وتلتذ بسماعه من الإمام في صلاة التراويح.
ومن التفاسير التي نُرشحها لعامة المسلمين والقُرّاء :
- (التفسير الميسر) مجمع الملك فهد.
- (المختصر في التفسير) مركز تفسير.
- أو (تيسير الكريم المنان) للسعدي.
ومن التفاسير المختصرة التي نرشحها لإخواننا ممن لهم سابق علمٍ بالتفسير:
- (تفسير القرآن العزيز) لمحمد بن أبي زمنين.
- (التسهيل لعلوم التنزيل) لابن جزي الغرناطي.
وكِتاب الغريب المُرشّح (السراج في بيان غريب القرآن) لعامة الناس ، أو (التبيان لابن الهائم) أو (مفردات الراغب الأصفهاني) وثنائيتهما لطلاب العلم.

"واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون"
قيل في الإيواء معانٍ منها؛ أنه آواكم باجتماعكم في المدينة بالهجرة، فاجتماع القلوب، وتلاحم الأرواح، ووحدة الشعور؛ طريق النصر.
لقد أتى الإسلام بمعانٍ مختلفة للنصر؛ نحن نرى ثبات الحق في النفوس نصر، انكسار العدو نصر، اجتماع الكلمة نصر، تحشيد الناس على مبدأ واحد نصر، تغير الموازين نصر، انتشار الوعي نصر، استعادة روح العزة نصر، تصحيح المفاهيم نصر، التلف في الله نصر، الحياة على مراد الله نصر، الموت استجابة لله نصر.
بدر آل مرعي

#عالهامش
همِّ الآخرة!
استهلاك العُمر في شُعَلِ الأشغال، والدراسة، والوظيفة، والتطوير ، والمقارنة ، ونُشدان غاياتٍ غير واضحة، هي جادة صغيرة جداً وأفقٍ ضيق محدود، يمضي معها العمر دون جدوىٰ، تمرُّ معها الأيام دون أن تنتبه إلى الجادّة العظيمة التي تقودك نحو السعادة الحقيقية .. نحو الطاعة وتعظيمها ، والصالحات وإجلالها ، والنوافل والاستكثار منها ، ودرجات الأعمال في الجنة الباقية وتمنِّيها.
والله إن الواحد منا يحتاج وقفة حزمٍ صارمة لا تحرمه من الطيبات ولا في المنافسة الشريفة نحو كل عمل جليل من أمور المعاش ، لكن بقدرِه اليسير ، يبقى صغيرا صغيراً ، إن ذهبت الفرصة جاءت أخرى .. لكن ... لكن من يُعوض عن ركعات الوتر! مَن يُعوض عن مائة استغفارٍ تلزمها يومياً يتطهّر بها قلبك! من يُعوض عن تهليلِ مائة تامة! مَن يعوض عن نظرة حرام سُطرت في الصحيفة ثم خُتم عليها لا توبة ولا ندم ولا استغفار! من يعوّض عن جلسة تتدارس فيها آيات من الكتاب المجيد! من يعوّض عن أوقات تُنصتُ فيها إلى آياتٍ من كتاب الله العظيم! من يعوضك عن ساعاتٍ تتزكّى فيها نفسك بذكر الله الجليل! ساعاتٍ تورثك اطمئنانا وانشراحاً وسكينةً ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب.
تالله ما أشد غُبنَ من يُؤثر الفاني على الباقي، ويلهث خلف حياة متاعها قليل، ولئن طالت الأيام وامتدّ العمر ليبكينّ المقصّر على أيامٍ فرّط فيها في جنب الله الكريم، وليس ينفعه حينئذٍ الندم..

مقصد سورة العصر مع وجه تناسب بينها وبين سورة التكاثر.

تخصيص الواحد منا وِرداً له بالليل يُنصتُ فيه إلى آياتٍ من كتاب الله من قارئٍ حَسنِ الصوت إذا سمعتَه حسبته يخشى الله= سبيلٌ ميسور لمن أراد تزكية نفسه من الذنوب وتطهير قلبه من أدران الغفلة.
ويرحم الله مَن قال:
انبعاث صوت القارئ بالقرآن بين أمواج الليل الساكن قصة تنحني لها النّفوس.
ولا عجب من هذا، فقد قال تعالى [إن ناشئة الليلِ هي أشدُّ وطئا وأقومُ قيلاً]
أي العبادة التي تنشأ في الليل ومنها قراءة القرآن تطأ القلبَ وتُحدث فيه أثراً.
وفي القراءة الأخرى [أشدُّ وِطاءً] من المواطئة ومعناها: الموافقة، أي قراءة القرآن في الليل تُعين على موافقة اللسان مع القلب= فيلقى صاحب القرآنِ القارئ له والمُنصت إليه أثراً حسنا ما كان ليجده في غير الليل.
وسبحان الله والله أكبر وله الحمد على نِعمه!

[مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ] عندما يعلق الإنسان قلبه بالدنيا،تصبح أكبر همه،فيتأثر تبعًا لتقلباتها وتغير أحوالها، إذ هي لا تستقر على حال، بينما إذا علَّق قلبه…