شقة رقم ثمانية

صباح الخير .. « أتعب ورا حلمٍ عقدت الأمل فيه
‏لو ما بقى من عمرك إلا شرايد »

قضيت عمري كله وأنا أشعر دائمًا بأن عليَّ أن أغادر
‏— مي زيادة

‏المشكلة الصعبة -الخارجة عن إرادتك-، لا تحتاج منك إلى فَوْرة الانفعال، فالانفعالُ رَدُّ فعلٍ مشدود، والشيء المشدود سرعان ما يتمزّق، إنّما تحتاج إلى برودة الأعصاب، تلك البرودة التي تسري في موضع القلب، ليس بدافع الاستسلام، إنما بدافع الاستسهال الذي يُعيد الشؤون العسيرة إلى أحجامها.

"مقدرة الإنسان في محو إنسان آخر
من ذاكرته تولِّدها الأيام الجارحة"

‏عاد غريبًا كما كان
‏ربما كان غريبًا طوال الوقت وأنا من اختلقتُ الأُلفة

انقطعت عن أشياء كثيرة تشبهني، لكن الانقطاع يعني أنها لا تشبهني بعد الآن، عجيب أنني حتى أثناء كتابة هذا المنشور لا زلت أنعتها بـ" تشبهني"، وكأنني أتخلى عن حقيقة فكرة أنها لم تعد كذلك، وهذا في واقع الأمر يبدو واقعي، بل واقعي جدًا بالنسبة لي، فنحن نفهم هجر الأشياء لنا، لكننا لا نفهم هجرنا للأشياء، خصوصًا الهجر الذي لا يحتوي على أسباب تفسر حدوثه، بل هجر حصل لأنه ينبغي أن يحصل .. رغمًا عني ورغمًا عن كل ما هجرتُه، تبدو الحياة أكثر غرابةً عندما تهجر الأشياء باستمرار وأنت لا تدرك غاية فعل ذلك، تبدو غريبة لأنك لا تشعر أنها هي الغريبة عنك، بل أنك أنت الغريب عنها، أنت الغريب وسط كل هذا، وهذا التفسير الوحيد الذي يتضّح لك خلال كل ما يحصل. كانت ولا زالت وسيلة التعامل بالصمت أكثر الوسائل روعةً وسهولة، أن تتأمل بهدوء وسكينة كيف يحدث كل ذلك، وتقبل بأن تَهجُر وأن تُهجَر، وترضى بأن ليس بالضرورة هناك سبب، ولكن هكذا ينبغي أن يحصل، وهذه الطريقة الحقيقية بأن تحيا في الحياة،
وأنه حدث في غاية الغُربة والغرابة

‏تقول تشرين: منذ سنين شبابي الأولى وانا اتدربُ على الوداع، أحاول ألّا أرتبط بشيء، وألّا أُبالغ بارتباطي إن اضطُرِرت، مررتُ بالمدن، بالقُرى، بالناس، بالأشياء كلها مرور الذي يدرك أن هذا المشهد سينتهي بعد حين، وان النهاية تلوحُ مثلَ برقٍ بعيد.

‏"وأسألك قلباً خالص الحريّة
‏وعقلاً مشغولاً بما يلهمه
‏أسألك بهجة الأشجار
‏وانتصاراتٍ تزيد التواضع
‏ومعرفةً توقد الفضول
‏أسألك خفّة الرّضا
‏وفتوحات الوصول قبل الوصول
‏وأن تكون كل عزلة فتحاً يقرّبني منك."